لحظة فاتنة.. تفاصيلها محفورة في ذاكرة صياد .. رغم السنين والنأي والدروب التي توزعت أوجاعنا, ما تزال تلك اللحظة ملىء الوجدان والذاكرة .. لحظة أن يبرق الضوء الشحيح للمصباح اليدوي في عيني ذلك العصفور المستكين بين فروع الاشجار, وحينها يطبق على الوجود صمت رهيب , وتشعر أن الزمن بأ سره مختصر في لحظة واحدة .. الخطوات حذرة تتوقف تماما .. ألاصوت تغور في الحناجر ولا يبقى إلا الهمس, وكأن الذي بين الاشجار ملك مهيب تضيع في جلال حضوره لغتنا , وإن لم يكن في الحقيقة غير عصفور صغير تقرأ في عينيه اللامعة في ضوء المصباح كل حكايا الذعر والوجل , وتكاد تسمع في صمت الصحراء وجيب قلبه الصغير النابض بالخوف من أولئك القادمين في هدأة الليل كنذر الموت , بمصابيحهم التي تخطف أبصار تلك الطيور وتستلب قواها ريثما يفرغ أشباح الليل من مهمتهم.
في تلك اللحظة يغدو كل شيء محسوبا بدقة فائقة .. احتبست ألانفاس بينما تغدو مهمة حامل المصباح هي الأشق والأكثر حذرا ودقة .. فالمصباح ينبغي أن يضل نوره مركزا في عيني ذلك الطائر دون أن يبرحهما, وأي اهتزاز للمصباح يعني ضياع الفريسة , وفي الوقت ذاته يتقدم حامل المصباح بخطوات تراوح بين الرجاء واليأس وأنظاره غائرة في عيني فريسته .. وكل ثانية تعني شيئا , وتدنو به نحو حلمه الملتف بالريش والوجل .. وفي لحظة فاصلة لا يحسن تقديرها إلا الراسخون في اقتناص الطرائد, يتوقف الصياد.. ينثني وشوق الدنيا في عينيه , وتغدو المسافة بينه وبين فريسته هي ذاتها المسافة بين السيف والعنق.. بين الموت والحياة .. بين الحرية والأقفاص .. بين حلم ممتد وأجل وشيك , والواقفون خلفه تكاد تشهق قلوبهم حذر أن يضيع كل شيء ويرتحل العصفور في ظلمة الليل.. بينما حامل المصباح في لحظة انفصال فريدة عن الدنيا بأسرها.. يثني ركبتيه .. يقاوم رعشة الشوق في أطرافه .. يختلط وجيب قلبه بوجيب قلب العصفور الذي يستشعر خطرا لا يدري كنهه , ويعشى بصره عن إدراكه .. وفي لحظة كالحلم.. كالنشوة .. يتلاشى الصياد في الفريسة والفريسة في الصياد ينطلق العيار القاتل و تلتحم الكف المرتجفة بالريش الناعم .. يبلغ الخفقان ذروته .. ينتفض العصفور.. يستجمع بقية قواه التي أذابها الخوف .. يخفق بجناحين مكبلين بقسوة أنامل الصياد .. يغرس منقاره بقسوة عصفور في كف قاتله .. وحين يبلغ به اليأس ذروته كان يشدو بصوت خفيض أغنية الموت الأخيرة , وتضيع أصداءها في صرخات النشوة لدى الصيادين الذين تعلن صرخاتهم كرنفال الفرح ابتهاجا بعصفور بائس .
يا تلك الايام والعصافيرالفاتنة كانت أسرابها تزور الديار , يوم أن كانت السحائب أيضا تزور آفاق الديار وتسكب رحيقها الفاتن في ظمأ الحقول فتموج حدائق ذات بهجة وتغدو السنابل قصائد الأرض , وأحلام البيادر الساغبة , حينها كان تأتي العصافير أسرابا .. ويجد في خضرة ( الزهور ) جنانا يلوذ بها من جوعه وارتحاله الدائم .. وكثيرا ما كنا نسمع في الصباح الباكر أصوات حراس الحقول وهم يصدرون صرخات مدوية ويجلجلون بالحجارة في علب الصفيح لطرد الطيورعن سنابلهم المنتظرة التي تصطادها العصافير نهارا .. ثم يصطاد الناس العصافير ليلا وكأنهم ينتقمون لسنابلهم من سطوة الطيور!!
وكعادة كل البسطاء والكادحين لم يكن العصفور يختار لمبيته مكانا قصيا , أو عشا فارها , أو شجرة تعصمه من سطوة الغزاة , كان فقط يرتمي بأحزانه بين الاشجار الشاسعة , ثم يطبق جفنيه ويحلم بغد وارف بين السنابل الناضجة , لكن ذلك الغد كان كثيرا ما يخلف آمال الحالمين به , وكثيرا ماكان يسفر الحلم عن بقايا ريش متناثر تكنسه الريح إلى مدارات الفناء!!.
في تلك اللحظة يغدو كل شيء محسوبا بدقة فائقة .. احتبست ألانفاس بينما تغدو مهمة حامل المصباح هي الأشق والأكثر حذرا ودقة .. فالمصباح ينبغي أن يضل نوره مركزا في عيني ذلك الطائر دون أن يبرحهما, وأي اهتزاز للمصباح يعني ضياع الفريسة , وفي الوقت ذاته يتقدم حامل المصباح بخطوات تراوح بين الرجاء واليأس وأنظاره غائرة في عيني فريسته .. وكل ثانية تعني شيئا , وتدنو به نحو حلمه الملتف بالريش والوجل .. وفي لحظة فاصلة لا يحسن تقديرها إلا الراسخون في اقتناص الطرائد, يتوقف الصياد.. ينثني وشوق الدنيا في عينيه , وتغدو المسافة بينه وبين فريسته هي ذاتها المسافة بين السيف والعنق.. بين الموت والحياة .. بين الحرية والأقفاص .. بين حلم ممتد وأجل وشيك , والواقفون خلفه تكاد تشهق قلوبهم حذر أن يضيع كل شيء ويرتحل العصفور في ظلمة الليل.. بينما حامل المصباح في لحظة انفصال فريدة عن الدنيا بأسرها.. يثني ركبتيه .. يقاوم رعشة الشوق في أطرافه .. يختلط وجيب قلبه بوجيب قلب العصفور الذي يستشعر خطرا لا يدري كنهه , ويعشى بصره عن إدراكه .. وفي لحظة كالحلم.. كالنشوة .. يتلاشى الصياد في الفريسة والفريسة في الصياد ينطلق العيار القاتل و تلتحم الكف المرتجفة بالريش الناعم .. يبلغ الخفقان ذروته .. ينتفض العصفور.. يستجمع بقية قواه التي أذابها الخوف .. يخفق بجناحين مكبلين بقسوة أنامل الصياد .. يغرس منقاره بقسوة عصفور في كف قاتله .. وحين يبلغ به اليأس ذروته كان يشدو بصوت خفيض أغنية الموت الأخيرة , وتضيع أصداءها في صرخات النشوة لدى الصيادين الذين تعلن صرخاتهم كرنفال الفرح ابتهاجا بعصفور بائس .
يا تلك الايام والعصافيرالفاتنة كانت أسرابها تزور الديار , يوم أن كانت السحائب أيضا تزور آفاق الديار وتسكب رحيقها الفاتن في ظمأ الحقول فتموج حدائق ذات بهجة وتغدو السنابل قصائد الأرض , وأحلام البيادر الساغبة , حينها كان تأتي العصافير أسرابا .. ويجد في خضرة ( الزهور ) جنانا يلوذ بها من جوعه وارتحاله الدائم .. وكثيرا ما كنا نسمع في الصباح الباكر أصوات حراس الحقول وهم يصدرون صرخات مدوية ويجلجلون بالحجارة في علب الصفيح لطرد الطيورعن سنابلهم المنتظرة التي تصطادها العصافير نهارا .. ثم يصطاد الناس العصافير ليلا وكأنهم ينتقمون لسنابلهم من سطوة الطيور!!
وكعادة كل البسطاء والكادحين لم يكن العصفور يختار لمبيته مكانا قصيا , أو عشا فارها , أو شجرة تعصمه من سطوة الغزاة , كان فقط يرتمي بأحزانه بين الاشجار الشاسعة , ثم يطبق جفنيه ويحلم بغد وارف بين السنابل الناضجة , لكن ذلك الغد كان كثيرا ما يخلف آمال الحالمين به , وكثيرا ماكان يسفر الحلم عن بقايا ريش متناثر تكنسه الريح إلى مدارات الفناء!!.
عدل سابقا من قبل ايهاب ابو الوفا حمدى في الأحد مارس 13, 2011 12:52 pm عدل 1 مرات
